نور التميمي
تصريح خاص النائبة شروق العبايجي
اليوم تم قلب الطاولة على جبهة المحاصصة الطائفية
التي تصر على بسط هيمنتها على كل المفاصل والقرارات داخل مجلس النواب العراقي، باسقاط عملية تمرير تقرير لجنة الخبراء المعنية باختيار مجلس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات. هذه المعركة ضد (المحاصصة) خضناها بدون هوادة منذ لحظة دخولنا البرلمان، نحن (النواب المدنييون) ويلقبوننا ايضا (بنواب التيار المدني )، السيد فائق الشيخ علي والسيد مثال الالوسي وانا شروق العبايجي.
بدأنا هذه المعركة الوطنية منذ دخولنا البرلمان، حيث كانت المحاصصة (ولاتزال للاسف) هي الطاغية في كل صغيرة وكبيرة، ولايزال رموز المحاصصة واعمدتها يتمسكون بها بدون اي اعتبار لما جلبته هذه المنظومة الفاشلة من ويلات وكوارث للبلاد، ودون أذان صاغية لمطالب المحتجين من الجماهير على كل الخراب الذي سببته المحاصصة الطائفية البغيضة القاتلة لكل ماهو خير للعراق والعراقيين.
ما اريده هنا هو تسليط بعض الضوء على شي يسير لكنه مهم لما قمنا به كنواب مدنيين وكيف واجهنا منفردين (3 من 328) مؤسسة المحاصصة الطائفية ، وكيف تمت مواجهتنا من قبلهم بالاستهزاء والاستصغار لعددنا الذي لا يتجاوز الواحد بالمائة من مجمل اعضاء المجلس، لكننا فرضنا مواقفنا المبدئية على الجميع وانقلبت الامور من التجاهل الى المواجهة وصولا الى تمسحهم بخطابنا وتبنيهم (زورا) لقضيتنا الاساسية التي ناضلنا من اجلها قبل وبعد دخولنا البرلمان وهي بناء الدولة المدنية الوطنية بدلا من دولة المكونات والمحاصصة والفساد.
اول المواجهات كانت ترشيحي لرئاسة البرلمان مقابل الدكتور سليم الجبوري، مرشح السلة المحاصصاتية الواحدة، (والتي عطلت عملية انتخاب رئيس المجلس لفترة طويلة). وكانت مبادرتنا تلك تهدف اساسا لتوجيه رسالة واضحة للشعب العراقي والمجلس بان هناك بدائل ممكنة افضل من التمسك بمنظومة المحاصصة والسلة الواحدة، لم افز بالتاكيد لانني لم احظ من قبل رئيس السن في حينه، حتى بفرصة لتقديم نفسي بشكل صحيح امام المجلس ، لكن الرسالة الاولى وصلت بنجاح وانهالت الترشيحات بعدها لرئاسة الجمهورية من قبل اكثر من 100 شخص من النواب والمواطنين في كافة انحاء العالم.
في بداية دخولي البرلمان كان الجانب الايسر مخصصا للمكون الشيعي والجانب الايمن للبقية، اتذكر صدمتي الكبيرة بهذا الامر الذي اعتبرته نموذجا لتقسيم العراق طائفيا، واعربت عن ذلك لكبار السياسيين في البرلمان، فاخبروني انه هو هذا النظام السائد منذ البداية، لكني استهجنت الامر ونقلت استهجاني الى الاخرين، وشيئا فشيئ اصبحت الاصوات التي ترفض هذا النظام لتوزيع المقاعد عالية فتم تغيير التوزيع ليصبح حسب الحروف الابجدية ورئاسة الكتل. هذا المثال البسيط اوردته هنا بشكل رمزي لكل ماكان يحدث داخل المجلس بهذه الطريقة منذ 2005 ولحد الان.
لم نقبل نحن النواب المدنيون ان نكون جزء من هذا التقسيم المحاصصاتي، كنا نمثل الصوت الوطني الواحد الذي لايمكن تعريفه باي توصيف مذهبي او قومي، كنا في البداية كمن يضرب راسه بحائط صلد، ثم كمن يحفر الصخر باظافره، ثم شيئا فشيئ اصبحت اصواتنا مسموعة وبدء يحسب لها حساب، ثم اصبحت كلماتنا وشعاراتنا، التي كنا ننادي بها قبل وبعد دخولنا البرلمان، على لسان اكثر الرموز السياسية صدقا ام زورا.
الكثير ممن كان يتبجح بطائفيته وقدرته الفذة باللعب على اوتار الطائفية بكلمات فجة تصل الى صيحات الانتقام المباشرة على طريقة ((7X7 وقطع الكهرباء عن الاعظمية وغيرها، هؤلاء وغيرهم لم يعد بامكانهم الترويج لبضاعتهم المصنوعة من الكراهية والطائفية وتأجيج المشاعر المتطرفة، فلم يتوانوا عن الاعلان عن نبذ الطائفية والمحاصصة التي رسخوها هم بانفسهم ولايزالون معتقدين ان ذاكرة المواطنين ضعيفة ولاتخزن لهم مواقفهم المعلنة في ترسيخ المحاصصة والفساد على طريقة تقسيم الكيكة والكومشنات والصفقات السياسية المشبوة.
البعض منهم اصبح ينادي بالدولة المدنية والمواطنة ( زورا وبهتانا) عندما هدرت الجماهير الغاضبة بمطالبها بالدولة المدنية وهناك من غير جلده الاسلامي وسمى نفسه بالمدني عندما انتشر شعار ( باسم الدين باكونا الحرامية)، لكنهم في واقع الامر لايزالون متمسكن وبقوة بمصالحهم التي تؤمنها لهم منظومة المحاصصة والخراب.
هذه التغييرات التي اصبحت واضحة للجميع دون مواربة، كان لنا نحن النواب المدنيون الدور الاكبر في احداثها. قد لايسمح لي المجال بذكر التفاصيل جميعها الان، ولكن اذكر هنا نموذجين مهمين، الاول هو وقوفي شبه منفردة في البداية بوجه تمرير قانون القبائل والعشائر الذي اعترضت عليه من حيث المبدء وحدي، لكن رئيس المجلس سمح بقراءته خلافا للنظام الداخلي، ومع هذا لم اتهاون بمعارضته على كافة وسائل الاعلام وامام لجنة العشائر البرلمانية التي اقنعت رئيس الجمهورية بتقديم مسودة القانون، ولكني اجهضت محاولاتهم جميعها بكل الوسائل ومنها جمع التواقيع التي كانت خجولة في البداية ولكن مع اشتداد المواجهة واستقطاب الرأي العام، رجحت كفة الرافضين لهذا القانون الذي لايزال رئيس الجمهورية يتردد بسحبه تجنبا لمواجهة لجنة العشائر البرلمانية التي ارادت فرضه على البرلمان ولكنها فشلت تماما. .. هل هذا الموقف قليل؟
اما مايتعلق بمفوضية الانتخابات فنحن المدنيون كنا اول من دق ناقوس خطر المحاصصة في تشكيل مجلس المفوضين الذي اصبح اداة سياسية منحازة بدلا من ان يكون ممثلا مستقلا ونزيها لصوت الشعب الذي هو مصدر السلطات، حيث ناضل الزميل فائق الشيخ لتثبيت مقترح تعديل قانون المفوضية باعتماد قضاة بدلا من مرشحي الاحزاب، ولايزال يناضل ونحن معه لاقرار صيغة القضاة بدلا من مرشحي الاحزاب.
وكنت انا اول من واجه طاغوت المفوضية بمناظرة تلفزيونية قدمت فيها كل الوثائق والمعطيات على التوظيف السياسي لمجلس المفوضين وتحويل هذه الهيئة العليا الى اداة سياسية ابعد ما تكون عن الاستقلالية والشفافية وكانت هذه المناظرة وغيرها من المقابلات الاعلامية، المقدمة التي مهدت للاستجواب المهني الرائع الذي قامت به الدكتورة ماجدة التميمي، علما بان التصويت على سحب الثقة من مجلس المفوضين لم يحصل لحد الان بعد تصويت الاغلبية في مجلس النواب على عدم القناعة بمجلس المفوضيين.
هناك العشرات من القضايا والمواقف التي تحسب لنا نحن المدنيين على قلة عددنا، وان ما حدث اليوم في مجلس النواب العراقي من استقطاب عدد كبير من السادة النواب للاعلان عن غضبهم على طريقة عمل لجنة الخبراء ومطالبتهم بحلها هي ثمرة جهودنا كنواب اصحاب قضية وطنية جليلة.
ما قمنا به لم يكن سهلا ابدا، فنحن نحرم حتى من حقنا بالكلام احيانا، لكننا اصبحنا باعتراف الجميع (عدا القلة من الطائفيين )، نموذجا مشرقا للعمل الوطني النزيه البعيد عن المساومات والصفقات التي تجري على قدم وساق باسم المحاصصة وغيرها، هذا النموذج المشرق هو من سيقلب الطاولة على كل محاولات اختطاف مشروعنا المدني الوطني بشتى المسميات.