خبر عاجل
اخر الاخبار
الأربعاء، 28 يونيو 2017

لروحِ أخي مشتاق


الكاتب عمر تحسين الحياني

بن أمي وأبي (مشتاق تحسين الحياني) لا أعرفُ كيفَ أبدأُ معكَ السلام فهذه المرةُ الأولى التي ألقي فيها عليكَ السلام عن بُعدٍ.. فلقد سرقَ الدهرُ مني قبركَ مثلما سرقكَ مني نهرُ الفرات! يا حبيبي كلنا ما زلنا نذكركَ فهل ما زلتَ تذكرنا؟ كلنا ما زلنا نذكركَ؛ أنا وكلي وأجمعي وروحي وعيني ومسمعي ونفسي وقلبي وقلب أمي معي، ومكابرة أبي وصمته.. كلنا ما زلنا نذكركَ فقلب الأمِّ رغمَ انشغاله بنوائبِ الحياةِ وهمومِها التي أثقلته لكنكَ ما زلتَ تركنُ في مكنونِ وجعه الأعظم وفي حشاشةِ روحها الراسخة. يا مشتاق الروح لا تحزنْ فما زالَ اسمك يتردد في بيتنا؛ فحين رُزِق أخي الأكبر بطفلٍ سمته أمي باسمكَ لكن هيهات هيهات أن يقومَ مقامكَ أحدٌ فالزمانُ بمثلكَ باخلٌ عقيم. يا ابن أمّي هل ما زلتَ تذكرُ غيرةَ الأطفالِ البريئةِ التي كانت بيننا؟ وهل ما زلتَ تذكرُ رغيفَ الجوِع الذي كنا نتقاسمه بشرفٍ في شدةِ الحصار الذي فُرِض على شرفاءِ وفقراءِ العراق فقط في تسعينياتِ القرن الماضي ولم يُفرضْ على غيرهم؟ يا جمارة قلب أمي هل ما زالتَ تذكرُ لعبةَ الحاحِ التي كنا نلعبها سوية مع أصدقاء محلتنا في الشارع؟ والنشابة التي كنا نصطادُ بها العصافير هل ما زلتَ تذكرها؟ لكني حين كبرتُ يا أُخَيَّ علمتُ أن صيدَ عصافيرِ الحريةِ حرامٌ، ولقد تعلمتُ ذلك لوحدي دون أتعلمه من الوعاظ. وهل ما زلتَ تذكرُ يا ابن أبي حين كنا نُغضبُ والدنا الطيب فيعاقبنا لكنه سرعان ما يندم فيحرمُ نفسه من رغيفِ العشاء ليشتري لنا فاكهةَ المشمش التي كنتَ تحبها؟ عذراً يا خضار عيوني فالبط الذي كنتَ تربيه قد ذبحناه حين اشتدد بنا جوع الحصار؛ لكننا لم نأكله إنما اطعمناه لمن كانوا أشد منا جوعاً.. وعذراً لأني لم أحتفظْ بملابسكَ النقية فعين أمكَ لم تكن تحتمل أن تراها أمامها فوهبتها للمحتاجينَ. إلا أني قد احتفظتُ بحذائكَ فقط. وكان احتفاظي به هو عفويةٌ مني، ثم فهمتُ حين كبرتُ أن روحكَ هي التي طلبتْ مني ذلك كي تقول لي: أنتَ سائرٌ إلى الموتِ فإياك إياكَ أن تظلمَ احداً.

وكنا كندماني جذيمة حقبة
من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فإن تكن الأيام فرقن بيننا
فقد بان محموداً أخي حين ودعا

كنا نتقاسمُ كلَّ شيءٍ لكنكَ تخليتَ عني ولم تقاسمْني الموت فهنيئاً لكَ الموت في زمانٍ كان للموتِ هيبته ولوعته وطقوس حزنه من غير تكلفٍ.. هنيئًا لذاك اللحد الذي طاب من طيبكَ وهنيئًا لأرضٍ تشرفت بجسدكَ الطاهر الشريف.. يا أشرف فتى في الأرض وأطهر روحٍ في السماء هنيئًا للموتِ مثلكَ وهنيئًا لكَ الموت وما زلتُ انتظركَ فانتظرني..

  • Blogger Comments
  • Facebook